الغدة الدرقية وتساقط الشعر: ما العلاقة الخفية؟

تساقط الشعر من أكثر المشكلات شيوعًا التي تدفع الرجال والنساء إلى زيارة عيادة الجلدية، وغالبًا ما يُعزى الأمر إلى عوامل وراثية أو هرمونية أو حتى نفسية. لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن الغدة الدرقية — تلك الغدة الصغيرة على شكل فراشة في مقدمة الرقبة — قد تكون أحد الأسباب الرئيسية وراء ضعف الشعر أو سقوطه. فما العلاقة بين الغدة الدرقية وصحة الشعر؟ وكيف يمكن اكتشاف الخلل وعلاجه؟

ما هي الغدة الدرقية؟

الغدة الدرقية غدة صماء صغيرة تقع أسفل العنق، وظيفتها الأساسية إفراز هرمونات الثيروكسين (T4) والثيريونين (T3). هذه الهرمونات تتحكم في عمليات التمثيل الغذائي، وإنتاج الطاقة، ونمو الأنسجة، وتشمل تأثيراتها الشعر والجلد والأظافر.

كيف تؤثر الغدة الدرقية على الشعر؟

الهرمونات والإنبات

هرمونات الغدة الدرقية تنظم دورة حياة بصيلة الشعر، أي المراحل الثلاث: النمو (Anagen)، الراحة (Telogen)، والسقوط (Catagen). أي خلل في هذه الهرمونات يؤدي إلى اضطراب الدورة الطبيعية وسقوط الشعر بكثرة.

زيادة أو نقص الهرمونات

• قصور الغدة الدرقية (Hypothyroidism): يسبب بطء التمثيل الغذائي، جفاف الجلد، هشاشة الأظافر، وضعف الشعر وتساقطه. غالبًا يكون الشعر خشنًا، باهتًا، ويفقد كثافته.

• فرط نشاط الغدة الدرقية (Hyperthyroidism): يؤدي إلى تسريع دورة الشعر، فيسقط الشعر قبل أن ينمو بشكل كامل. في هذه الحالة يكون الشعر خفيفًا وناعمًا جدًا.

الأعراض المصاحبة لتساقط الشعر بسبب الغدة الدرقية

في حالة القصور

• زيادة الوزن أو صعوبة فقدانه

• الإحساس الدائم بالتعب والخمول

• برودة الأطراف

• جفاف الجلد وتشققاته

• بطء في ضربات القلب

في حالة فرط النشاط

• فقدان الوزن غير المبرر

• زيادة التعرق وعدم تحمل الحرارة

• القلق والعصبية الزائدة

• تسارع ضربات القلب

• ارتعاش اليدين

وجود هذه الأعراض بجانب تساقط الشعر قد يكون مؤشرًا على أن المشكلة مرتبطة بالغدة الدرقية.

أشكال تساقط الشعر المرتبطة بالغدة الدرقية

1. تساقط منتشر (Diffuse hair loss): حيث يتساقط الشعر من فروة الرأس بأكملها بشكل متساوٍ.

2. ترقق الشعر (Hair thinning): يصبح الشعر أرفع وأقل كثافة بمرور الوقت.

3. الحواجب والرموش: في قصور الغدة الشديد قد يختفي الثلث الخارجي من الحاجب، وهو عرض مميز.

كيف يتم التشخيص؟

التشخيص يعتمد على الجمع بين الفحص الإكلينيكي والتحاليل المخبرية:

• تحاليل الدم:

  • TSH (هرمون الغدة النخامية المنظم للغدة الدرقية)

  • Free T4 وFree T3 (هرمونات الغدة نفسها)

• تحاليل إضافية: أحيانًا تُطلب الأجسام المضادة (Anti-TPO، Anti-Tg) إذا كان السبب مناعيًّا

كما يفيد فحص الشعر والجلد في العيادة، للتأكد من نوعية التساقط واستبعاد الأسباب الأخرى مثل نقص الحديد أو اضطرابات الهرمونات الجنسية.

هل يعود الشعر للنمو بعد العلاج؟

بمجرد علاج الخلل الهرموني في الغدة الدرقية، يبدأ الشعر غالبًا في التحسن، لكن الأمر يحتاج إلى صبر:

• بعد بدء العلاج قد يتأخر تحسن الشعر عدة أشهر

• يحتاج الشعر دورة نمو كاملة (قد تمتد إلى 6–12 شهرًا) ليستعيد كثافته

• أحيانًا يظل الشعر أقل كثافة من السابق إذا طال أمد الخلل دون علاج

العلاقة بين علاج الغدة وتساقط الشعر المؤقت

من الملاحظ أن بعض المرضى قد يلاحظون زيادة في تساقط الشعر بعد بدء علاج قصور أو فرط الغدة الدرقية. السبب أن الشعر يستجيب لتغير مستويات الهرمونات، وقد يدخل عدد من البصيلات مرحلة الراحة بشكل مفاجئ، مما يؤدي إلى تساقط ملحوظ. هذه الحالة مؤقتة، وغالبًا ما يبدأ الشعر في النمو من جديد بعد عدة أشهر مع استقرار الهرمونات وضبط العلاج.

نصائح عملية لمرضى الغدة الدرقية مع تساقط الشعر

• الالتزام بالعلاج الهرموني: سواء كان تعويض نقص الهرمون (ليفوثيروكسين) أو السيطرة على فرط النشاط بالأدوية أو الجراحة

• التغذية السليمة: تناول أغذية غنية بالحديد، الزنك، السيلينيوم، وفيتامين D

• تجنب التوتر النفسي: لأن الضغط النفسي يزيد من تساقط الشعر

• العناية بالشعر: استخدام شامبوهات لطيفة، وتجنب الصبغات المتكررة أو الفرد الكيميائي

• المتابعة الدورية: فحص الغدة الدرقية بانتظام وضبط الجرعات

متى يجب زيارة الطبيب؟

إذا لاحظت تساقطًا غير مبرر في الشعر مصحوبًا بأعراض عامة مثل تغير الوزن، اضطراب النوم، أو خفقان القلب، فمن الضروري مراجعة الطبيب. التشخيص المبكر يساعد على علاج المشكلة سريعًا وتجنب المضاعفات.

الخلاصة

الغدة الدرقية عضو صغير لكنه مؤثر على صحة الجسم بالكامل، بما في ذلك الشعر. أي خلل في نشاطها — سواء بالزيادة أو النقصان — قد يؤدي إلى تساقط الشعر بشكل ملحوظ. العلاج المبكر والالتزام بالدواء، مع المتابعة الطبية والتغذية السليمة، يساعدان على استعادة صحة الشعر تدريجيًا.

وإذا كنت تعاني من تساقط الشعر غير المعتاد أو تشك بوجود خلل في الغدة الدرقية، فإن استشارة الطبيب المختص خطوة مهمة لفهم السبب ووضع خطة علاج مناسبة. في عيادتنا نهتم بتقييم شامل لحالات تساقط الشعر وربطها بالعوامل الهرمونية أو الغذائية أو الوراثية، لضمان علاج متكامل يعيد لك الثقة والمظهر الصحي.